الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فَالْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ التَّسَامُحُ بِمَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَكْبَرَ مِنَ الْآخَرِ، وَمَا يَكُونُ سَبَبُ التَّعَاوُضِ فِيهِ بَرَاعَةَ التَّاجِرِ فِي تَزْيِينِ سِلْعَتِهِ وَتَرْوِيجِهَا بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ غِشٍّ وَلَا خِدَاعٍ، وَلَا تَغْرِيرٍ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يَشْتَرِي الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ إِلَيْهِ، وَكَثِيرًا مَا يَشْتَرِيهِ بِثَمَنٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُمْكِنُ ابْتِيَاعُهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، وَلَا يَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ إِلَّا خِلَابِةَ التَّاجِرِ وَزُخْرُفَهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصِّدْقِ، وَاتِّقَاءِ التَّغْرِيرِ وَالْغِشِّ، فَيَكُونُ مِنْ بَاطِلِ التِّجَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِالتَّرَاضِي، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى، وَالْحِكْمَةُ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي التِّجَارَةِ لِشِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا وَتَنْبِيهِ النَّاسِ إِلَى اسْتِعْمَالِ مَا أُوتُوا مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ فِي اخْتِبَارِ الْأَشْيَاءِ، وَالتَّدْقِيقِ فِي الْمُعَامَلَةِ حِفْظًا لِأَمْوَالِهِمُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ لَهُمْ قِيَامًا أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْبَاطِلِ، أَيْ: بِدُونِ مَنْفَعَةٍ تُقَابِلُهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا خَرَجَ بِهِ الرِّبْحُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ غِشٍّ وَلَا تَغْرِيرٍ، بَلْ بِتَرَاضٍ لَمْ تَنْخَدِعْ فِيهِ إِرَادَةُ الْمَغْبُونِ، وَلَوْ لَمْ يُبِحْ مِثْلَ هَذَا لَمَا رُغِبَ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا اشْتَغَلَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ عَلَى شَدَّةِ حَاجَةِ الْعُمْرَانِ إِلَيْهَا وَعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَبَارَى الْهِمَمُ فِيهَا مَعَ التَّضْيِيقِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ شَعَرَ النَّاسُ مُنْذُ الْعُصُورِ الْخَالِيَةِ بِمَا يُلَابِسُ التِّجَارَةَ مِنَ الْبَاطِلِ حَتَّى إِنَّ الْيُونَانِيِّينَ جَعَلُوا لِلتِّجَارَةِ وَالسَّرِقَةِ إِلَهًا أَوْ رَبًّا وَاحِدًا فِيمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ لِأَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَكُلِّيَّاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، انْتَهَى مَا قَالَهُ فِي الدَّرْسِ مَعَ زِيَادَةٍ وَإِيضَاحٍ.وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، أَيْ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاسْتِدْرَاكِ لَا الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَكُونُوا مِنْ ذَوِي الطَّمَعِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ مُقَابِلٍ لَهَا مَنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، وَلَكِنْ كُلُوهَا بِالتِّجَارَةِ الَّتِي قِوَامُ الْحِلِّ فِيهَا التَّرَاضِي، فَذَلِكَ هُوَ اللَّائِقُ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الدُّثُورِ وَالثَّرْوَةِ، وَقَالَ الْبَقَاعِيُّ: إِنَّ الِاسْتِدْرَاكَ لَا يَجِيءُ فِي النَّظْمِ الْبَلِيغِ بِصُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، أَيِ: الَّذِي يُسَمُّونَهُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ إِلَّا لِنُكْتَةٍ.وَقَالَ: إِنَّ النُّكْتَةَ هُنَا هِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا مِنَ التِّجَارَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ وَلَا بَقَاءَ، فَيَنْبَغِي أَلَّا يَشْتَغِلَ بِهِ الْعَاقِلُ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَفِي الْآيَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ مَدَارَ حِلِّ التِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضِي الْمُتَبَايِعِينَ، وَالْغِشُّ وَالْكَذِبُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ لِأَجْلِ تَحْقِيقِ التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ غِشٍّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالدِّينِ.قَالَ الْبَقَاعِيُّ: وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ عَدِيلَ الرُّوحِ، وَنَهَى عَنْ إِتْلَافِهِ بِالْبَاطِلِ، نَهَى عَنْ إِتْلَافِ النَّفْسِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ إِتْلَافِهِمْ لَهُمَا بِالْغَارَاتِ لِنَهْبِ الْأَمْوَالِ، وَمَا كَانَ بِسَبَبِهَا أَوْ تَسَبُّبِهَا، عَلَى أَنَّ مَنْ أُكِلَ مَالُهُ ثَارَتْ نَفْسُهُ فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْفِتَنِ الَّتِي رُبَّمَا كَانَ آخِرَهَا الْقَتْلُ، فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَنْسَبَ شَيْءٍ لِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ مِنَ التَّعَاطُفِ وَالتَّوَاصُلِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} إِلَخْ، أَقُولُ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَحْدَهَا أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الِانْتِحَارُ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ أَنَّ الْمُرَادَ: لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الْأَقْوَى، وَاخْتِيرَ هَذَا التَّعْبِيرُ لِلْإِشْعَارِ بِتَعَاوُنِ الْأُمَّةِ وَتَكَافُلِهَا وَوَحْدَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي نُكْتَةِ التَّعْبِيرِ عَنْ أَكْلِ بَعْضِهِمْ مَالَ بَعْضٍ بِقَوْلِهِ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ فِي النَّهْيِ عَنِ الْقَتْلِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ: أَيْ لَا تَقْتُلُوهَا حَقِيقَةً بِالِانْتِحَارِ وَلَا مَجَازًا بِقَتْلِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وَلَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ بِالْبَاطِلِ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى يَكُونُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا فَإِنَّ النَّفَقَاتِ بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا} [4: 5]، وَكُلُّ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْإِسْلَامِ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَالِ بِحِفْظِ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الْوَاجِبِ حِفْظُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْعِرْضُ، وَالْعَقْلُ، وَالْمَالُ، وَالنَّسَبُ، وَعَلَّلُوا التَّعْبِيرَ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ بِقَتْلِهِ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُفْضِي إِلَى قَتْلِهِ قِصَاصًا أَوْ ثَأْرًا كَانَ كَأَنَّهُ قَتْلٌ لِنَفْسِهِ، وَقَالُوا مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [2: 84، 85]، الْآيَةَ، حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [2: 54]، إِنَّ الْمَعْنَى لِيَقْتُلْ كُلٌّ مِنْكُمْ نَفْسَهُ بِالْبَخْعِ وَالِانْتِحَارِ أَوْ أُمِرُوا أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَتْلِ هُنَالِكَ قَطْعُ الشَّهَوَاتِ، كَمَا قِيلَ: مَنْ لَمْ يُعَذِّبْ نَفْسَهُ لَمْ يُنَعِّمْهَا، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْهَا لَمْ يُحْيِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى هُنَا: لَا تُخَاطِرُوا بِنُفُوسِكُمْ فِي الْقِتَالِ فَتُقَاتِلُوا مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكُمْ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَكُمْ، وَمَنْ نَظَرَ فِي مَجْمُوعِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَرَاعَى دَلَالَةَ النَّظْمِ وَالْأُسْلُوبِ يَجْزِمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَتْلِ النَّاسِ أَنْفُسَهُمْ هُوَ قَتْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَأَنَّ النُّكْتَةَ فِي التَّعْبِيرِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ حَتَّى كَأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا هُوَ عَيْنُ الْآخَرِ، وَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ جِهَةٍ، وَجِنَايَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بَلْ عَلَّمَنَا الْقُرْآنُ أَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ تُعَدُّ جِنَايَةً عَلَى الْبَشَرِ كُلِّهِمْ لَا عَلَى الْمُتَّصِلِينَ مَعَهُ بِرَابِطَةِ الْأُمَّةِ الدِّينِيَّةِ أَوِ الْجِنْسِيَّةِ أَوِ السِّيَاسِيَّةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [5: 32]، وَإِذَا كَانَ يُرْشِدُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْتَرِمَ نُفُوسَ النَّاسِ بَعْدَهَا كَنُفُوسِنَا فَاحْتِرَامُنَا لِنُفُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى، فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدٌ نَفْسَهُ كَأَنْ يَبْخَعَهَا لِيَسْتَرِيحَ مِنَ الْغَمِّ وَشَقَاءِ الْحَيَاةِ، فَمَهْمَا اشْتَدَّتِ الْمَصَائِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ، وَلَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُ مِنَ الْفَرَجِ الْإِلَهِيِّ؛ وَلِذَلِكَ نَرَى بَخْعَ النَّفْسِ (الِانْتِحَارَ) يَكْثُرُ حَيْثُ يَقِلُّ الْإِيمَانُ، وَيَفْشُو الْكُفْرُ وَالْإِلْحَادُ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْإِيمَانِ مُدَافَعَةُ الْمَصَائِبِ وَالْأَكْدَارِ، فَالْمُؤْمِنُ لَا يَتَأَلَّمُ مِنْ بُؤْسِ الْحَيَاةِ كَمَا يَتَأَلَّمُ الْكَافِرُ، فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَبْخَعَ نَفْسَهُ حَتَّى يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ نَهْيًا صَرِيحًا.{إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} أَيْ: إِنَّهُ كَانَ بِنَهْيِهِ إِيَّاكُمْ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِكُمْ بِالْبَاطِلِ، وَعَنْ قَتْلِ أَنْفُسِكُمْ رَحِيمًا بِكُمْ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حِفْظَ دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ مَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ فَيَجِبُ أَنْ تَتَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَيَكُونَ كُلٌّ مِنْكُمْ عَوْنًا لِلْآخَرِينَ عَلَى حِفْظِ النَّفْسِ وَمُدَافَعَةِ رَزَايَا الدَّهْرِ.{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ} كُلٌّ مَا تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [4: 19]، إِلَى هُنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي قَبْلَ تِلْكَ الْآيَةِ قَدِ اقْتَرَنَتْ بِالْوَعِيدِ عَلَيْهَا عَلَى حَسَبِ سُنَّةِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَنْهِيَّاتِ الْأَخِيرَةَ لَمْ يُوعَدْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ وُصِفَتْ بِالْقُبْحِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ- وَهِيَ النَّهْيُ عَنْ إِرْثِ النِّسَاءِ كَرْهًا، وَعَنْ عَضْلِهِنَّ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِنَّ، وَعَنْ نِكَاحِ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَعَنِ الْقَتْلِ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْقَتْلُ فَقَطْ، وَقَدْ قَصَّرَ كُلَّ التَّقْصِيرِ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَعَنِ الْقَتْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ الْمَقْبُولُ فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْوَعِيدِ قَدِ اقْتَرَنَتْ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَيْهِ.(قَالَ) وَالْعُدْوَانُ: هُوَ التَّعَدِّي عَلَى الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْفَاعِلُ إِتْيَانَ الْفِعْلِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى الْحَقَّ، وَجَاوَزَهُ إِلَى الْبَاطِلِ، وَالظُّلْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي لَمْ يَتَحَرَّ وَيَجْتَهِدْ فِي اسْتِبَانَةِ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ فَيَفْعَلَ مَا لَا يَحِلُّ، وَالْوَعِيدُ مَقْرُونٌ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَهُمَا أَنْ يَقْصِدَ الْفَاعِلُ الْعُدْوَانَ، وَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ ظُلْمًا فِي الْوَاقِعِ، وَنَفْسُ الْأَمْرِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ، مِثَالُ تَحَقُّقِ الْعُدْوَانِ دُونَ الظُّلْمِ أَنْ يَقْتُلَ الْإِنْسَانُ رَجُلًا يَقْصِدُ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ كَانَ رَاصِدًا لَهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ لِقَتْلِهِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَتَلَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ دَمِهِ كَأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ، فَهَاهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الظُّلْمُ، وَأَمَّا الْعُدْوَانُ فَوَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَمِثَالُ تَحَقُّقِ الظُّلْمِ فَقَطْ أَنْ يُسَلِّمَ امْرُؤٌ مَالَ آخَرَ ظَانًّا أَنَّهُ مَالُهُ الَّذِي كَانَ سَرَقَهُ أَوِ اغْتَصَبَهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مَالَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي أَخَذَ مَالَهُ، وَأَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا رَآهُ هَاجِمًا عَلَيْهِ فَظَنَّ أَنَّهُ صَائِلٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَأُ ظَنِّهِ، فَهَاهُنَا تَحَقَّقَ الظُّلْمُ وَلَكِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْعُدْوَانُ، أَقُولُ: وَقَدْ يُعَاقَبُ الْإِنْسَانُ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَجْمَعُ بَيْنَ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ مَعًا لِتَقْصِيرِهِ فِي اسْتِبَانَةِ الْحَقِّ، وَلَكِنَّ عِقَابَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِصْلَاءَهُ النَّارَ إِدْخَالُهُ فِيهَا وَإِحْرَاقُهُ بِهَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الصِّلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ مِنَ النَّارِ لِلِاسْتِدْفَاءِ، قَالَ الرَّاجِزُ:
أَيِ: الْمُسْتَدْفِئِ، وَتَتِمَّةُ هَذَا الْبَحْثِ اللُّغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا} أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَعِيدَ الْبَعِيدَ شَأْوُهُ، الشَّدِيدَ وَقْعُهُ، يَسِيرٌ عَلَى اللهِ غَيْرُ عَسِيرٍ، وَقَرِيبٌ مِنَ الْعَادِينَ الظَّالِمِينَ غَيْرُ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّ سُنَّتَهُ قَدْ مَضَتْ بِأَنْ يَكُونَ الْعُدْوَانُ وَالظُّلْمُ مُدَنِّسًا لِلنُّفُوسِ مُدَسِّيًا لَهَا بِحَيْثُ يَهْبِطُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَيُرْدِيهَا فِي الْهَاوِيَةِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ يَسِيرًا عَلَى اللهِ تَعَالَى هُوَ أَنَّ حِلْمَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمُعْتَدِينَ الظَّالِمِينَ وَعَدَمَ مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عِقَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ، بَلْ هُوَ تَنْبِيهٌ إِلَى مَوْضِعِ الْعِبْرَةِ، أَيْ: فَلَا يَغْتَرَّنَّ الظَّالِمُونَ بِعِزَّتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى مَنْ يَظْلِمُونَهُمْ وَلَا يَقِيسُنَّ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَيَكُونُوا كَأُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا فِيمَا حَكَى الله عَنْهُمْ: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [34: 35]، بَلْ يَجِبُ أَلَّا يَأْمَنُوا تَقَلُّبَ الدُّنْيَا وَغِيَرَهَا وَلَا يَنْخَدِعُوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}.نَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، وَعَنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ، وَهُمَا أَكْبَرُ الذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَتَوَعَّدَ فَاعِلَ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا بِالنَّارِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ جَمِيعِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَعْظُمُ ضَرَرُهَا وَتُؤْذِنُ بِضَعْفِ إِيمَانِ مُرْتَكِبِهَا، وَوَعَدَ عَلَى تَرْكِهَا بِالْجَنَّةِ وَمُدْخَلِ الْكَرَامَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَبَائِرِ هُنَا جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ الْبَقَاعِيُّ بَعْدَ الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ: وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى مَا لِفَاعِلِ ذَلِكَ تَحْذِيرًا أَتْبَعُهُ مَا لِلْمُنْتَهِي تَبْشِيرًا، وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ جُمْلَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ فَقَالَ، وَذَكَرَ الْآيَةَ.الِاجْتِنَابُ: تَرْكُ الشَّيْءِ جَانِبًا، وَالْكَبَائِرُ: جَمْعُ كَبِيرَةٍ، أَيِ الْفَعَائِلُ أَوِ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرُ، وَالسَّيِّئَاتُ: جَمْعُ سَيِّئَةٍ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ الَّتِي تَسُوءُ صَاحِبَهَا عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، أَوْ تَسُوءُ غَيْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [3: 193]، وَفَسَّرُوهَا بِالصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهَا بِالْكَبَائِرِ، وَاللَّفْظُ أَهَمُّ وَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ.الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ فِي الْمَعَاصِي صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ أَمِ الْمَعَاصِي كُلُّهَا كَبَائِرُ؟ نَقَلُوا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْإِسْفَرَايِينِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ: إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إِنَّ هَذَا مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، فَقِيلَ: هِيَ سَبْعٌ، لِحَدِيثٍ صَحِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي عَدِّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَمَجْمُوعُهَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ.أَقُولُ: أَشْهَرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَمِنْهَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ، وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزِيَادَةٌ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالُوا: وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِي كُلِّ مَقَامٍ مَا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، فَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الْحَصْرِ وَالتَّحْدِيدِ، وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ صَرِيحَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْكَبَائِرِ وَيُقَابِلُهَا الصَّغَائِرُ، وَالظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّ كِبَرَهَا فِي ذَوَاتِهَا وَأَنْفُسِهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَالضَّرَرِ، وَالْمُوبِقَاتُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ مِنْ أَوْبَقَهُ إِذَا أَهْلَكَهُ، أَوْ ذَلَّلَهُ، وَيُقَابِلُ الْمُوبَقَ مَا يَضُرُّ ضَرَرًا قَلِيلًا، وَمَا حَرَّمَ الْإِسْلَامُ شَيْئًا إِلَّا لِضَرَرِهِ فِي الدِّينِ أَوِ النَّفْسِ أَوِ الْعَقْلِ أَوِ الْمَالِ أَوِ الْعِرْضِ.
|